في أعماق الكهف المظلم، حيث تتردد أصداء قطرات الماء الساقطة على الصخور، يكتب "جن بن فرهاد" سطوراً تنبض بالحياة على ورقته، متوحداً مع ذاته في عزلة. يقلب الورقة بين يديه، ويتنفس عبير الحبر الطازج، يخط ما يعجز عن قوله اللسان 

"أنا لا أحد.. أنا جن بن فرهاد"، هكذا بدأ سرد رحلته التي لا نهاية لها، في عالمٍ يعج بالظلال والأصوات الخفية. ورغم الوحدة التي تحيط به، فهو يشعر في أعماق قلبه بحيوية تتحد مع الجبال، بحساسية تتناغم مع الأصوات الهادئة التي تملأ المكان. هو ليس مجرد كائن ضائع في العزلة، بل هو كائن يبحث عن الحقيقة في بينات الظلام، عن معنى وجوده بين ما هو غير مرئي

كل كلمة يكتبها في تلك اللحظات هي بمثابة خيط يمتد إلى المجهول، يفضح قسوة الواقع ويعكس عمق الروح. ففي هذا الكهف، لا مكان للمظاهر، ولا وجود للزيف. هو فقط، جن بن فرهاد، محاط بالضباب الذي يخفى وجهه، يسعى لكتابة نفسه على تلك الورقات المبللة بالحبر والماء