عـن الـذات ؛
بهـذه الفكـرة افتتـح تييـر هـنتـش كتابـه الشـرق المتخيـل حيـن قـال : « لا يحـدث هـذا الكتـاب عـن الشـرق إنما يحـدث عنـا » .

والأمـر نفسـه فـي هـذا الكتـاب بيزنطة المتخيلة الـذي نتقـدم بـه بيـن يـدي القـارئ إذ لا يحـدث عـن بيزنطـة ،
وإنمـا يـحـدث عـن الذات العربيـة ، والكيفيـة التـي تمثلـت بهـا الآخـر البيزنطـي .

إن هـذا الاهتمـام المتزايـد بمسـألة الآخريـة سـواء فـي سـياقنا العربـي أو فـي السـياق الغربـي ،
دائمـا مـا كان يتخـذ سـؤال الهويـة مرجعيـة لـه ، حتى وإن بـدا غائبـا فـي الخطـاب .

ولعـل مـن البديهـي القـول بـأن صـورة الآخـر لا تتشـكـل فـي المتخيـل كمعرفـة موضوعيـة ،
فهـي انفعـال مـع الـذات يتحـدد بشـكل أساسـي مـن خـلال مـا يـراه الأنـا ؛ الشـيء الـذي يجعـل منهـا صـورة علائقيـة بامتياز ،
إذ لا يمكـن الحديـث عـن أحدهمـا بغيـاب الآخـر ، بـل إن الذات لا تتحـدد بـدءا إلا مـن خـلال وضـع نفسـها فـي مجابهـة ذوات أخـرى .

وسنحاول مـن خـلال هـذا الكتـاب دراسـة متخيـل بيزنطـة عنـد العـرب ؛ وهـو وإن كان يتخـذ مـن الآخـر موضوعـا لـه فـإن الـذات تبقـى حاضـرة باستمرار ،
إذ مـن خلالهـا يجـري انتـاج المتخيـل ومختلـف التمثـلات .

داخـل هـذا السـياق حاولنـا الاقتـراب مـن سـؤال الآخريـة فـي الثقافـة العربيـة الإسـلامية في لحظاتهـا التأسيسية الأولى ،
محدديـن إياهـا فـي الآخـر البيزنطـي .

البيزنطـي . وستسـمح لنـا هـذه العـودة إلـى الجـذور ، بفهـم آليـات تشـكل بنيـة الآخريـة ،
التـي تزامنـت مـع بـدايـة وعـي العـرب بأنفسـهم كقـوة مسيطر